زواج القاصرات في مصر: ظاهرة تهدد الطفولة وتحتاج إلى حل جذري 18
منه عيسي خميس / شبكه اخبار مصر الان
زواج القاصرات في مصر: ظاهرة تهدد الطفولة وتحتاج إلى حل جذري
بقلم: منة عيسى خميس
ليست هذه قصة خيالية، ولا مشهدًا من مسلسل درامي.
هذه مصر، بلدنا التي تواجه ظاهرة خطيرة تُهدد براءة الطفولة واستقرار المجتمع: زواج القاصرات.
تحت مسميات مثل “الستر” و”التقاليد“، تُزف فتيات لم تتجاوز أعمارهن الثالثة عشر إلى حياة زوجية قسرية، وسط صمت اجتماعي وتقصير قانوني واضح.

عندما يُخفى الألم تحت فستان الزفاف
في إحدى قرى محافظة سوهاج، دخلت “رحمة” – ذات الثانية عشرة – قاعة الزفاف على وقع الزغاريد. لكن بعد ثلاثة أشهر فقط، خرجت على نقالة إسعاف، تعاني من نزيف داخلي نتيجة علاقة زوجية لم تكن مهيأة لها لا جسديًا ولا نفسيًا.
والدها قال ببساطة: “تزوجت بإرادتها… تتحمل النتيجة”.
وكأنها لم تكن طفلته، بل مجرد صفقة انتهت بانتهاء العقد.
وفي محافظة الشرقية، “سندس” ابنة الثالثة عشرة، أُجبرت على الزواج من تاجر في الأربعين.
بعد شهور قليلة، حاولت إنهاء حياتها هربًا من التعنيف الجسدي والنفسي.
رغم محاولتها الصارخة للنجاة، عادت إلى نفس المنزل لأن “كل شيء تم بموافقة الأهل”.

مأذون شرعي… وواقع غير شرعي
أغلب هذه الزيجات تتم عبر عقود عرفية غير موثقة، يشرف عليها مأذونون أو شيوخ محليون، ويُباركها بعض الأطباء الذين يزوّرون الأعمار مقابل أجر مادي.
النتيجة: حلقة كاملة من الانتهاكات يشارك فيها الأب، العريس، المأذون، والطبيب.

أزمة متجذرة… وليست مجرد حالات فردية
زواج القاصرات في مصر ليس ظاهرة عابرة، بل انعكاس لعوامل اجتماعية واقتصادية وثقافية متشابكة:
الفقر: يدفع بعض الآباء لرؤية بناتهم كوسيلة لسداد الديون أو تخفيف الأعباء.
الجهل: يجعل بعض الأمهات يعتقدن أن الزواج المبكر “ستر”.
فهم ديني غير دقيق: يستخدمه البعض لتبرير هذه الزيجات بمقارنات تاريخية غير منطقية.
ضعف تنفيذ القوانين: رغم وجود مواد قانونية تحمي الأطفال، كالمادة 80 من الدستور، إلا أن التنفيذ ضعيف.
أرقام مقلقة
وفقًا للجهاز المركزي للتعبئة العامة والإحصاء، تبلغ نسبة زواج القاصرات حوالي 14% من إجمالي الزيجات في بعض المحافظات مثل الفيوم، أسيوط، والمنيا.
فيما تشير تقارير المجلس القومي للطفولة والأمومة إلى وجود آلاف الحالات غير المُبلغ عنها بسبب الخوف أو الأعراف المجتمعية.
جهود حكومية… لكن لا تكفي
رغم وجود مبادرات مثل “بلدي أمانة” و”لا لزواج الأطفال”، إلا أن أثرها لا يصل للعمق الحقيقي في القرى والمناطق المهمشة.
نحتاج إلى:
حملات توعية ميدانية.
دعم اقتصادي وتعليمي ونفسي للفتيات.
شراكة حقيقية بين الحكومة والمجتمع المدني.

الحل ممكن… لكنه يحتاج إرادة
تمكين الفتيات: تعليمهن حقوقهن، وتعزيز ثقتهن بأنفسهن، وأنهن أكثر من مجرد زوجات أو أمهات.
إرادة سياسية ومجتمعية: قوانين مفعّلة، قضاء سريع، ومحاسبة للمخالفين.
دور الإعلام والتربية: مواد دراسية ومسلسلات ومقالات تدعم قيم المساواة والكرامة وتتصدى للموروثات الضارة.

صوتك له قيمة
إذا كنتِ ممن مررن بهذه التجربة أو شهدتِها… لا تصمتي.
الصمت ليس أمانًا، بل استسلام.
وصوتك ليس ضعفًا، بل مقاومة.
شاركي قصتك. انشري الوعي. قولي لا لتزويج الطفلات.
لسنا ضد الزواج، بل ضد أن يُستخدم كغطاء لانتهاك الطفولة.