مواجهة التسرب الإشعاعي النووي في ضوء أهداف التنمية المستدامة في مصر
مواجهة التسرب الإشعاعي النووي فى مصر
مواجهة التسرب الإشعاعي النووي في ضوء أهداف التنمية المستدامة في مصر
بقلم د/ أميرة سامي محمد
دكتوراه الفلسفة في العلوم البيئية – كلية الدراسات والبحوث البيئية – جامعة عين شمس
في ظل التوترات المتصاعدة والعمليات العسكرية الأخيرة التي استهدفت منشآت نووية، يتزايد القلق العالمي من احتمالية وقوع حادث تسرب إشعاعي في منطقة الشرق الأوسط، خاصة في سياق المواجهة المحتدمة بين إسرائيل وإيران.
وبينما تحيط إسرائيل برنامجها النووي بسرية تامة، تواصل إيران تطوير قدراتها تحت رقابة دولية متقطعة مما يضع المنطقة على حافة خطر داهم.
مصر والتنمية المستدامة في عصر الطاقة النووية
في ظل هذا الواقع الإقليمي المعقد، تسعى مصر إلى تحقيق معادلة دقيقة بين التنمية والطموح النووي من جهة، والسلامة والاستدامة من جهة أخرى.
وتعمل الدولة على التوسع في استخدام الطاقة النووية، خاصة من خلال مشروع محطة الضبعة النووية، في إطار استراتيجيتها لتنويع مصادر الطاقة وتقليل الاعتماد على الوقود الأحفوري.
يتماشى هذا التوجه مع أهداف التنمية المستدامة للأمم المتحدة، خاصة:
- الهدف 7: طاقة نظيفة وبأسعار معقولة
الطاقة النووية توفر مصدرًا مستقرًا ومنخفض الانبعاثات الكربونية للكهرباء. - الهدف 9: الصناعة والابتكار والبنية التحتية
بناء وتشغيل المحطات النووية يتطلب تقنيات متقدمة وبنية تحتية متطورة. - الهدف 13: العمل المناخي
الطاقة النووية تساهم بفعالية في التخفيف من آثار تغير المناخ.
التحديات الإشعاعية وتأثيرها على الاستدامة
رغم فوائد الطاقة النووية، فإن خطر التسرب الإشعاعي يمثل تهديدًا مباشرًا لأهداف التنمية المستدامة:
- الصحة العامة (الهدف 3):
الإشعاع يؤدي إلى أمراض خطيرة ويتطلب تدخلات صحية مكثفة وطويلة الأمد. - الموارد البيئية (الأهداف 6، 14، 15):
التسرب يلوث التربة والمياه ويؤثر على الحياة البرية والبحرية. - الاقتصاد (الهدف 8):
قد يتسبب الحادث في خسائر اقتصادية هائلة نتيجة توقف الإنتاج والسياحة والزراعة. - الاستقرار الاجتماعي (الهدف 11):
الخوف من الإشعاع يسبب اضطرابات مجتمعية ونفسية قد تستمر لسنوات.
الخطة القومية المصرية للطوارئ النووية
استعدادًا لمواجهة أي حادث إشعاعي، وضعت مصر خطة قومية شاملة تتميز بالشمول والتنسيق المؤسسي، وتشمل:
- اللجنة العليا للطوارئ النووية والإشعاعية:
يرأسها رئيس الهيئة المصرية للرقابة النووية، وتضم ممثلين من وزارات الدفاع، الداخلية، البيئة، الصحة، الكهرباء والنقل، لتنسيق الجهود على المستوى الوطني. - غرفة الطوارئ المركزية:
تتلقى البلاغات وتنسق الاستجابة مع باقي الجهات الحكومية. - بروتوكولات استجابة دقيقة:
تشمل الإخلاء، التوعية، التوزيع السريع لأقراص يوديد البوتاسيوم، والاحتواء البيئي. - شبكة رصد الإشعاع البيئي:
مصر تمتلك شبكة رصد متطورة لمراقبة التلوث في الهواء والماء والتربة، تشمل مناطق استراتيجية مثل سيناء والبحر الأحمر، وتوفر إنذارًا مبكرًا فور أي تغير غير طبيعي.
صرّح الدكتور سامي شعبان، رئيس الهيئة، مرارًا أن الهيئة قادرة على رصد أي تلوث إشعاعي لحظة حدوثه.
التعاون الدولي: ضرورة لا غنى عنها
تدرك مصر أن التلوث الإشعاعي لا يعرف حدودًا، لذا فهي شريك فاعل في:
- الاتفاقيات الدولية:
مثل “اتفاقية التبليغ المبكر” و”اتفاقية تقديم المساعدة” تحت إشراف الوكالة الدولية للطاقة الذرية (IAEA). - برامج التدريب الإقليمي والدولي:
تشارك مصر بانتظام في ورش العمل والدورات الفنية لرفع كفاءة الكوادر الوطنية.
الإجراءات الوقائية لمواجهة التسرب الإشعاعي
أولًا: ما قبل الحادث
- وضع علامات تحذيرية في مناطق الإشعاع.
- تأمين المنشآت بطبقات عازلة مقاومة.
- تطبيق تهوية فعالة.
- التأكد من نظافة أماكن العمل باستخدام أجهزة المسح الإشعاعي المباشر وغير المباشر.
- استخدام أنظمة إنذار مبكر مدعومة بالذكاء الاصطناعي.
- التوعية المجتمعية والتدريب المنتظم للعاملين.
ثانيًا: أثناء الحادث
- البقاء داخل المباني المحكمة.
- اتباع تعليمات الإخلاء من السلطات.
- استخدام معدات الحماية الشخصية.
- تناول أقراص البوتاسيوم وفقًا للإرشادات.
- التخلص السليم من النفايات الإشعاعية.
ثالثًا: بعد التلوث
- إزالة التلوث باستخدام تقنيات متخصصة.
- متابعة الحالة الصحية للمصابين.
- إعادة تأهيل المناطق المتضررة وتقديم الدعم النفسي.
- تقييم شامل للأضرار والدروس المستفادة.
- استعادة الخدمات وضمان استمرارية العمل.
ختامًا
تُعد مواجهة خطر التسرب الإشعاعي جزءًا لا يتجزأ من تحقيق أهداف التنمية المستدامة.
فبدون الأمن البيئي والصحي، لا يمكن بناء مستقبل مستدام. وتسعى مصر إلى تحقيق التوازن بين طموحاتها التنموية وواجبها في حماية الإنسان والبيئة. ويظل التعاون الدولي، والشفافية، والجاهزية الوطنية هي الركائز الأساسية في هذا الطريق.