قافلة “الصمود” بين شعار دعم غزة وممارسات تهدد الأمن القومي المصري 21 يونيو 2025
شبكة اخبار مصر / منه عيسي خميس
قافلة الصمود بين شعار دعم غزة وممارسات تهدد الأمن القومي المصري
متابعة: منة عيسى خميس
في مشهد يختلط فيه التعاطف بالقضية الفلسطينية مع محاولات اختراق سيادات الدول المستقرة، انطلقت قافلة “الصمود” من دول المغرب العربي بزعم دعم غزة، لكنها سرعان ما تحولت إلى أزمة إقليمية كشفت عن ثغرات أمنية واستغلال سياسي لشعار “التضامن الإنساني”، ما جعل من هذه القافلة نموذجًا حيًا لمحاولات استغلال معاناة الشعوب من أجل تنفيذ أجندات مشبوهة.
بدأت القافلة تحركها يوم 9 يونيو من العاصمة التونسية، وانطلقت عبر عدة مدن تونسية ثم الجزائر، قبل أن تدخل إلى غرب ليبيا بموافقة ودعم حكومة الوحدة الوطنية في طرابلس.
قافلة “الصمود” بين شعار دعم غزة وممارسات تهدد الأمن القومي المصري 21 يونيو 2025
ورغم الترحيب الأولي من السلطات الليبية الغربية، إلا أن سلطات شرق ليبيا، وتحديدًا قوات الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، منعت القافلة من التقدم نحو الحدود الشرقية، بحجة عدم امتلاك المشاركين جوازات سفر مختومة قانونيًا وعدم وجود أي تنسيق مسبق مع سلطات الحدود، ما دفع القافلة إلى العودة من سرت إلى الأراضي الجزائرية والتونسية، وسط ارتباك واضح في التنظيم.
ومع كل هذه العراقيل، تمكن جزء من القافلة من الالتفاف عبر طرق بديلة ودخول الأراضي المصرية بطريقة غير مشروعة عبر منافذ فرعية، ما استدعى تدخلًا أمنيًا حاسمًا. وقد تم إيقافهم في منطقة محيط الإسماعيلية، بعدما تبين أن المشاركين لم يحصلوا على أي تصاريح دخول رسمية، وافتقروا إلى التنسيق مع الجهات المختصة، وهو شرط أساسي تفرضه مصر في ظل الوضع الحساس على الحدود مع غزة.
خلال فترة التوقف في الإسماعيلية، خرجت القافلة عن الإطار السلمي المُعلن، وتحولت إلى بؤرة من الفوضى، حيث شهدت المنطقة المحيطة عدة تجاوزات خطيرة. شهود عيان من الأهالي أكدوا أن بعض المشاركين في القافلة اقتحموا مزارع المانجو في محيط المدينة، وسرقوا كميات كبيرة من المحصول، بل وقاموا بالاعتداء اللفظي على أصحاب الأراضي حين حاولوا الدفاع عن ممتلكاتهم.
المشهد أثار غضبًا شعبيًا واسعًا، ودفع العديد إلى التشكيك في نوايا القافلة، معتبرين أن من يسرق وينتهك حرمة أرض ليست له لا يمكن أن يكون ممثلًا لصوت الحرية أو داعمًا حقيقيًا لغزة.
قافلة “الصمود” بين شعار دعم غزة وممارسات تهدد الأمن القومي المصري
المثير للدهشة أن أغلب مركبات القافلة كانت فارغة تمامًا، لا تحمل أي مساعدات غذائية أو طبية، كما لم تُسجل بها أي شحنات إغاثية فعلية.
الصور الجوية والفيديوهات الملتقطة أظهرت أن العديد من السيارات كانت مغطاة فقط بالرايات والشعارات، فيما كانت حمولتها الحقيقية معدومة. وهو ما أكده مصدر أمني مطّلع، أوضح أن جزءًا من المركبات خضع للتفتيش وأظهر نتائج صادمة، منها وجود أفراد غير معروفين أمنيًا، وبعضهم مرتبط بتنظيمات متطرفة، وعلى رأسها تنظيم داعش، ما يطرح علامات استفهام حول الجهات التي قامت بتجنيدهم أو دفعت بهم ضمن ما يسمى بـ”القافلة الإنسانية”.
وعلى الرغم من أن الدول المصدرة للقافلة مثل تونس والجزائر ترفع شعارات نصرة فلسطين، إلا أن مواقفها الرسمية تتناقض مع ذلك.
الرئيس التونسي قيس سعيّد صرح مرارًا أن بلاده ترفض استقبال اللاجئين الفلسطينيين على أراضيها، تحت مبرر “رفض التوطين”، وهو الموقف ذاته الذي تتبناه الجزائر
.
تناقض فجّ بين الخطاب العاطفي الموجّه للإعلام، والقرارات السيادية الفعلية، ما يؤكد أن هذه التحركات لا تعبّر عن نية حقيقية لدعم الفلسطينيين، بل تستخدم قضيتهم وقودًا سياسيًا ضمن صراعات إقليمية أوسع.
قافلة “الصمود” بين شعار دعم غزة وممارسات تهدد الأمن القومي المصري
أما الموقف المصري، فقد كان واضحًا منذ البداية. الدولة المصرية لم ترفض دخول القافلة، لكنها أكدت أن معبر رفح مفتوح بشكل منتظم لدخول المساعدات الإنسانية والطبية، ضمن تنسيق تام مع الهلال الأحمر المصري والهيئات الدولية.
وما دون ذلك يعتبر تجاوزًا للإجراءات السيادية.
قافلة “الصمود” بين شعار دعم غزة وممارسات تهدد الأمن القومي المصري 21 يونيو 2025
مصر التي استقبلت مئات الجرحى الفلسطينيين وقدّمت عشرات الأطنان من الدعم لغزة، لم تكن يومًا في حاجة لمزايدات إعلامية، لكنها لا تقبل أن تكون أراضيها ممرًا لجهات غير معروفة تحت غطاء “الدعم الإنساني”.
التحقيقات الأمنية لا تزال جارية، فيما تشير تقارير إلى أن المنظمين يخططون لإطلاق “قافلة صمود 2” خلال الأسابيع القادمة.
وتبقى المخاوف قائمة من تكرار هذا السيناريو في ظل محاولات مستمرة من بعض القوى الإقليمية لزعزعة الاستقرار في الدول المحورية، عبر اختراقات ناعمة وشعارات جوفاء.
في المحصلة، القضية الفلسطينية لا تحتاج إلى استعراضات إعلامية أو تحركات غير منضبطة.
بل تحتاج إلى دعم حقيقي ومنسّق، يحترم سيادة الدول ولا يتعدى على أمنها.
ومصر، رغم التحديات، لا تزال تقوم بدورها كاملاً في دعم غزة، لكن عبر طرق مشروعة، تحفظ كرامة الفلسطينيين وتحمي أمن الوطن في آنٍ واحد.