جوزيف سعد .. الجمعيات الخيرية الدينية تملأ البطون ولا تبني العقول
لا تعطي لي سمكة بل علمني كيف أصطاد ؟ ..
جوزيف سعد .. الجمعيات الخيرية الدينية تملأ البطون ولا تبني العقول
تقديم العون والمساعدة قد يكون بمثابة العقاب
يبدو أن لدي رجال الدين قناعة بأن الجهاز الهضمي أفضل من العقل ، وأن الزيت والسكر والسمن أفضل من القلم والمسطرة والكراسة عند مساندة الفقراء والمحتاجين ، فبدون وعي أو نيه قصد قد ينمي ذلك النوع من الجمعيات الخيرية في مكنون الشخصية داخل الأسرة نوع من الإتكالية التي تعمل علي فقدان الثقة بالنفس والبعد عن الاستشعار بالمسؤولية تجاه تحقيق الذات وفي إعلاء مهارة تحقيق الإكتفاء الذاتي ، وحق تقرير المصير في الحياة والذي يعتبر المغزي الحقيقي لسعادة الإنسان
كثير من الوقت وفي عديد من المواقف قد نريد تقديم العون والمساعدة و لكن بصورة ضارة وشاردة ومشوهه في البناء التربوي والنفسي للفرد داخل المجتمع ، وهكذا ما تفعله بنا بعض الجمعيات الخيرية الدينية في ترميم المكون الفسيولوجي والبيولوجي للمواطن الفقير من سد احتياجاته الأساسية و الأولية كبقاء أي كائن حي غير عاقل في تلبيه احتياجاته الجسدية فقط دون إثراء الفكر وتنمية المهارات والتدرب علي البرامج التأهيلية في البحث عن الذات وتحقيقها وفي كسب القوت أو في تعاليم مهارات العمل و الصناعات اليدوية البسيطة أو أكسابهم مهارات تكنولوجية ومهارات الكفاءة الإنتاجية
جوزيف سعد .. الجمعيات الخيرية الدينية تملأ البطون ولا تبني العقول
ظاهرة الإعالة الاجتماعية قد تكون حصاد تعدد وكثرة الجمعيات الخيرية الدينية في المجتمع المصري بصورة مبالغة ، ويطرح هنا السؤال والاستفسار عن آثارها بالإيجاب أم بالسلب علي المواطن المصري المحتاج أوالفقير في تقويم الشخصية و الإعتزار بكرامتها في تحقيق الاكتفاء الذاتي الذي تفتقده تلك الجمعيات أن تقدمه إلي رعاياها تحت ظل السياق التربوي الاجتماعي في تكوين الشخصية الاجتماعية القادرة وليست الشخصية المعولة أو الإتكالية
مفهوم تحقيق الذات هو محور الشخصية في اتزانها النفسي والوجداني وتوافقها الاجتماعي وبالتالي التمتع بالصحة النفسية لديها ، وهذا الذي يفتقده الشخص المعول أو الإتكالي الذي تنتجه لنا الجمعيات الخيرية الدينية ، والتي تفتقد إلي رؤية مدرج ماسلو للاحتياجات الإنسانية ككل في تحقيق توافق الفرد و بناءه الاجتماعي
الرابط الخيري الحقيقي الذي يقدم للإنسان المحتاج أو العاجز مضمونه في أن تكسبه مهارات كيف يحقق مدرج ماسلو لأحتياجاته الذاتية والاجتماعية قدر المستطاع ، وأن تحوله من شخص معول إلي شخص يعول قادر علي الأنتاج والإثمار داخل المجتمع بأي صورة ما وفق قدراته وإمكانياته أو وفق قصوره وعجزه الذي يحتم عليه اللجوء إلي الجمعيات الخيرية الدينية والتي تجلب له الدفء العاطفي في الإحساس بمشاكله ومعاناته وعجزه دون العلاج من الجذور علي أسس تربوية وسيكولوجية وسوسيولوجية
جانب الحث والمساعدة نحو التعليم و الثقافة مفتقد في الإعالة الاجتماعية التي تقوم بها الجمعيات الخيرية الدينية تجاه رعاياها..
التبرعات الخيرية يجب توظيف جزء منها في إعلاء عقل الفرد وتعليمه في ظل التضخم الاقتصادي وفي ظل تحول التعليم إلي سلعة تجارية ، كي يجد الفقير أو المحتاج مكانة علمية وأدوات ثقافية تنير له حياته
الاهتمام بسد احتياجات الجانب التربوي والتعليمي والثقافي للأسر المعولة يجب أن يؤخذ في الاعتبار وأن يكون موضع الأهتمام من قبل المتبرعين والقائمين بالمؤسسات الأهلية والجمعيات الخيرية الدينية في إصلاح وإثراء عقول غير القادرين ، ليس فقط في أشباع بطونهم ، بل الأخذ بالمثل الإفتراضي القائل ” محدش بينام من غير عشا “
جوزيف سعد .. الجمعيات الخيرية الدينية تملأ البطون ولا تبني العقول
إعالة الشخص في سد الاحتياجات لها مقاييس نسبية ومتفاوتة من حالة إلي آخري وفق الدراسة الاجتماعية والنفسية و التربوية للحالة الفردية والأسرية داخل الجمعيات الخيرية ، الإعالة والمساعدة في السياق التربوي والتنموي داخل المجتمع لا تتم من منطلق أسس الجمعيات الخيرية الدينية التي تميز وتقسم المواطنين داخل المجتمع علي أساس ديني و طائفي في تقديم العون والمساعدة وتلبيه الاحتياج
هدف الجمعيات الخيرية الدينية هو هدف سامي و نبيل ، لكنه غير تنموي أو تربوي فعال داخل المجتمع ، فالخدمة الحقيقية للإنسان في إعالة عقله من بناء الفكر وإثراءه وخلق الفرص والمهارات لأثبات الذات وأكتشافها وتوسيع دائرة المعرفة الثقافية لديه كي يدير ويدبر ذاته ويقوم بتوظيفها داخل مجتمعه ، و الإعالة الاجتماعية لا تقف إلي حد غاية اشباع الاحتياجات الجسدية فقط من مأكل وملبس ، حيث سرور العطاء وثواب الصدقة في إنماء العقول لا لمجرد البطون ، واحيانا قد يكون تقديم العون والمساعدة بمثابة العقاب .
التعليقات مغلقة.