ظلمنا «ظاهرة الاستشراق» أمام الفكر العربي
تطور المجتمع بما يصنعه و يرسمه قلم مفكريه وباحثيه..
جوزيف سعد
دمج الجينات الحضارية وخلط السلالات الثقافية ..
أصبح أمر لابد من النظر إليه في ظل الفضاء المعرفي الألكتروني المسيطر علي عقل المواطن المصري والعربي ، وفي ضوء عاطفة اجتماعية وعلاقات إنسانية تكونت لدي قطاع كبير من جيل الشباب التكنولوجي بمواقع التواصل والسوشيال ميديا حول العالم ، علينا أن نصوغ ذاك الأنصهار الثقافي والاجتماعي في سياق فلسفي تربوي واجتماعي ، بشكل توافقي لهذا الأندماج المستقبلي المحتوم والمفعول به والغير قابل للتفرقة بين الشرق و الغرب ، وبين ثقافة مع أخري ، وبين بقعة أرضية دافئة مع بقعة أخري باردة .
قد أظهر الفضاء التكنولوجي المعرفي أمام العقل العربي أوجه القصور والكمال ونقاط الضعف والقوة بين الثقافات وبعضها، لنصل إلي لغط بعض الباحثين العرب القدامي نحو ظاهرة الاستشراق كعلامة أستفهام في التجني أو الظلم إليها ، علي الرغم من الأستناد والاستعانة بها في بعض أبحاثنا الفكرية بما تحمله من رؤي تحليلية بحثية عن فهم أعماق مجتمعنا وثقافتنا بوصف دقيق وافي و شافي لمظاهر السلوك الأدبي والأجتماعي لتاريخ أنفسنا وبصدق تحليلي لأخطائنا في وجوب مواجهتها .
عبر الدهر أشارنا إلي أبحاث المستشرقين الأوروبيين بضوء شارد باهت نظرا لأسباب عده ، منها سياسية كمقاومةضد المحاولات الاستعمارية من بلاد المستشرقين أو لأهداف أقتصادية أو في الغالب لفوارق عقائدية، قد سادت حالة من الشك والطعن الغير مبرر في كتابات المستشرق نحو دراسته في تحليل عالمنا العربي سوسيولوجيا وسيكولوجيا وبالانثروبولوجيا الشرقية بخلاف دراسات اللغة والآداب والفنون ، وعلي الرغم من ذلك نظل ننتبه إلي موطن وطبيعة معتقدات حياة بلاد المستشرق قبل أن ننظر إلي أبحاثة والاستفادة بنتائجها .
لم ندرك أهمية الخلط البحثي لدراساتنا مع ابحاثهم المستفاضة ونتائجهم الدقيقة في السلوك البشري ومجالاته ونشاطاته ، فقط كل ماقمنا به تجاه كتاباتهم ودراستهم نوعاً من النقد السلبي ولم نكتفي حتي بأخذ مايوافق ويناسب .
الاستشراق حركة أجنبية بحثية قد شوهت من بعض المفكرين والكتاب العرب في الدافع والهدف من الدراسة، وبالتالي عدم التطلع إليها أو التشكك بمصداقية نتائجها دون سبب علمي واضح أو رؤية أدبية نقدية منطقية في محتواها .
قد أحجبنا عن الفكر العربي صرح بحثي ثقافي كبير أمام عقولهم في التعرف علي أنفسهم دون محاباة أو تجميل في تفسير الواقع وتجسيده أو في محاولة تغييره ، فقد فقدنا محاولة باسلة في أستشراف المستقبل خلال أغفال دمج دراساتنا مع أبحاثهم ، حينذاك تغلبت العاطفة علي العقل في الحكم علي دراسات المستشرقين دون التمحيص بها والتسرع في الحكم عليها برذاذ من التعصب يشوبه روح من العنصرية والبعد عن الموضوعیة ، فالعقل العربي إستدار ظهره أمام كتابات من رحم مجتمعات متقدمة ، مفتقدين في نهاية الأمر المنفعة العملية والعلمية للفرد والمجتمع .
ظلمنا «ظاهرة الاستشراق» أمام الفكر العربي
«أختلاف الأيدولوجية السياسية والدينية للمستشرقين جعل من دراساتهم مصدر القلق أمام الفكر العربي»
لقد قمنا بأنفسنا توريث وتصدير هاجس عقده الغزو الأجنبي من الحقل السياسي و الديني إلي الحقل المعرفي والعلمي لنحكم علي أنفسنا بمتاريس الفكر و الأنغلاق بحجة الوقاية من تلف الثقافات والحفاظ علي كرامة أوطاننا دون أفساح المعرفة في الوعي و التنوير من خلال المقارنةوالتحليل _الأستقراءوالأستنباط ، في بحوث المستشرقين منذ ماضي العقود وعبر حاضر الواقع .
ظل لوقت طويل هاجس نظرية الشك والمؤامرة هو الغالب في منهج وأدوات البحث حول كتب وأبحاث المستشرقين بالنسبة للفكر العربي في البحث الأكاديمي ، علي الرغم بأن المؤامرة ليست من سمات الذكاء في التفكير داخل شخصية الباحث والمفكر كمنهج فكري قائم به في أبحاثه .
ظلمنا «ظاهرة الاستشراق» أمام الفكر العربي
«ضعف التبادل البحثي والفكري لدراسات المستشرقين ، أحد العوامل الأساسية في قصور العقلية العربية في مجالات عديدة»
ومن هنا نطلق الدعوة والنداء نحو الاهتمام والأطلاع بكل الدراسات والكتابات التي تخص كل مايتعلق بعالمنا العربي لإثراء فكره وتنمية ذاته وتحقيق التطور الموازي للعالم الأخر ، و تظل بحوث العلوم الاجتماعية الإنسانية والسلوكية لأي زمان وفي أي مكان بأختلاف جنسية أو هوية القائمين بها هي أم العلوم وحجر الزاوية وروادها وباحثيها ومفكريها ، هم خط الوسط في ساحة الملعب الاجتماعي لحلقات الوصل ببن الثقافات والحضارات في النهوض بالتطور البشري للمجتمع وأزدهاره لمواكبة الحاضر الزمني بطفراته المستقبلية .
ويبقي السؤال.. هل سيظل أمام الفكر العربي سوي أتجاه الأجتهاد الشخصي في الإطلاع علي كتابات بحوث ودراسات المستشرقين؟!!
« البحث و الفكر محور التطور الاجتماعي »